وهذا الذي ذكره هو ما لا يريد أهل البدع المعاصرة أن يؤمنوا به، فقد ردوا الحديث الصحيح الذي رواه
البخاري و
مسلم وغيرهما من الصحيفة التي أخرجها
علي رضي الله عنه، لما زعمت
الروافض أن النبي صلى الله عليه وسلم اختصه بشيء من العلم، قال
علي رضي الله عنه: {
والذي خلق الحبة، وبرأ النسمة، لم يخصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من العلم إلا كتاب الله، وهذه الصحيفة، وأخرجها، وإذا فيها: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر}. وقالوا: هذا يعارض القرآن؛ لأن في القرآن: ((
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ))[المائدة:45] والكافر نفس، والمسلم نفس، فالحديث يعارض القرآن، فنحن نرده؛ لأن كتاب الله هو المقدم.
فيجعلون ذلك من باب الغيرة على كتاب الله.
فهذه القاعدة التي أصلها
الشاطبي رحمه الله في التأدب مع كتاب الله ترد عليهم، وهي: (أن يوقن أنه لا تضاد بين آيات القرآن، ولا بين الأخبار النبوية، ولا بين أحدهما مع الآخر).
ثم يقول
الشاطبي: "بل الجميع جارٍ على مهيع واحد -يعني على منهج واحد- ومنتظم إلى معنى واحد؛ فإذا أدّاه بادي الرأي إلى ظاهر اختلاف، فواجب عليه أن يعتقد انتفاء الاختلاف".
ورحمة الله على الشيخ
محمد الأمين الشنقيطي ؛ فإنه ألف كتاباً نفيساً في هذا المعنى سماه:
دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب .
يقول
الشاطبي رحمه الله: "فواجب عليه أن يعتقد انتفاء الاختلاف؛ لأن الله قد شهد له أنه لا اختلاف فيه؛ فليقف وقوف المضطر السائل عن وجه الجمع، أو المسلِّم من غير اعتراض؛ فإن كان الموضع مما يتعلق به حكم عملي، فليلتمس المخرج حتى يقف على الحق اليقين" أي: إن كان في أمور الاعتقاد فإننا نسلم من غير اعتراض، مثل ما مر معنا في حقيقة أرواح الشهداء وأرواح الأنبياء وأنه صلى الله عليه وسلم رأى موسى يصلي في قبره، وأنه صلى الله عليه وسلم صلى بالأنبياء في بيت المقدس، ثم قابلهم في السماء؛ فنسلم بهذا ونصدقه، ولا نجادل في أمور الغيب.
أما في المسائل العملية، فيقول رحمه الله: "فإن كان الموضع مما يتعلق به حكم عملي؛ فليلتمس المخرج حتى يقف على الحق اليقين، أو يبقى باحثاً إلى الموت، ولا عليه من ذلك". يعني: لو بقيت تبحث عن مسألة إلى أن تموت ولم يتبين لك وجه الحق الراجح فيها، فليس عليك شيء؛ لأنك تلقى الله وأنت طالب حق.